Ads 468x60px

أقسام المدونة

السبت، 5 أكتوبر 2013

ما الذي غيّره "ربيع الجزائر"؟ !


ما الذي غيّره "ربيع الجزائر"؟ !
 |
بقلم الشيخ  : أبوجرة سلطاني
قبل ربع قرن (25 عاما) اهتزّ الشارع الجزائري على وقع انتفاضة عارمة أحرقت كل ما له علاقة برموز النظام وبالحزب الواحد، وامتدت أياد ذكية لإتلاف ملفات مهمة وإحراق "مصالح استراتيجية" وبعد أن نجح محركو إنتفاضة 05 اكتوبر 1988 طلع علينا رئيس الجمهورية المرحوم الشادلي بن جديد في خطاب مقتضب وعد فيه الشعب بإصلاحات شاملة وعميقة..فما الذي تغير بعد مرور 25 سنة على ما صار يُعرف رسميا اليوم بـ "ربيع الجزائر"؟ !


  1-    تكييف حسب المصلحة : كان الإسم الرسمي لإنتفاضة 05 أكتوبر 88 هو: أحداث "شغب أطفال" بعد أحداث الربيع الأمازيغي..وكانت الراوية الرسمية لهذه الأحداث تتحدث عن تورط جماعات مصالح تقول أجهزة النظام أنها تواطأت مع "قوى ظلامية" داخلية ومع جهات خارجية لزعزعة استقرار الوطن وبث الفوضى في مؤسسات الدولة..وظل هذا الخطاب ملاصقا لتلكم الأحداث المؤلمة إلى أن تفجرت ثوراث "الربيع العربي" فتغير الخطاب الرسمي للنظام القائم من استنكار ما حدث في الجزائر إلى تمجيده ووصفه بالربيع الجزائري الذي سبق كل هذه الثورات؟ !
فإذا سلمنا بأن إنتفاضة 05 أكتوبر 88 كانت "ربيعا جزائريا" دشّن عهد الثورات العربية كلها فمن حقنا أن نعرف ما الذي حققه هذا الربيع بعد مرور ربع قرن على بداية الإصلاحات، ومن واجبنا أن نبين للأجيال الصاعدة حقيقة ما حدث ونكشف عن بعض الخلفيات التي لم تعد سرا بعد أن تناولتها أقلام محركيها وتصريحات صانعيها وكتابات بعض مهندسيها في مذكرات كشفت عن المخبوء في العلب السوداء لنظام   موصوف بأنه "طاب جنانو" ولكن ليس في نيته أن يسمح لأحد بقطف ثمار جيل الثورة وجهود نضالات الأحرار..كما لا تبدو في الأفق أية بارقة أمل لتسليم المشعل أو "تشبيب" نظام بلغ فيه جيل الإستقلال نصف قرن من الإنتظار وزيادة (62-2012).
فما الذي غيرّه هذا المسمى " ربيع الجزائر"؟ وهل مازالت الفرصة سانحة لاستدراك ما فات؟؟
إن ما ينبغي الإحتفاظ به كشواهد حية لربيع ميت هو هذه المعلومات الأساسية :
-   
إنّ أحداث أكتوبر المسماة "ربيع الجزائر" كانت نتيجة خطإ في حساب صراع الأجنحة بين سنوات 79-1988.
-   
كان خطاب رئيس الجمهورية ليلة 19 سبتمبر 1988 هو القطرة التي أفاضت الكأس، فقد كان خطابًا تحريضيًا صريحًا على الثورة لقلب طاولة اللعب على الجناح المحافظ في جهاز الحزب الواحد مع بداية  " البيروستريكا ".
-   
البداية المنطلقة من مركب السيارات الصناعية (رويبة) كانت بداية "مفبركة" لذلك حملت لون الإنتفاضة.
-   
الإسلاميون لم يصنعوا أحداث 05 أكتوبر 88 ولكنهم ركبوا الموجة يوم الجمعة 06 أكتوبر و"خطفوا" الثورة من اليساريين.
-   
خطاب بن جديد ليلة 11 أكتوبر كان حصيلة اتفاق بين أجنحة النظام انتصر فيه المجددون على المحافظين في جهاز الحزب الحاكم وقتذاك.
-   
دستور 23 فيفري 1989 أسس نظريا لتّعددية بلا خلفيات ثقافية.
-   
التقارير التي رفعتها الأجهزة الأمنية للجهات الرسمية كانت خاطئة ومضللة للرئيس.
-   
التقسيم الإداري للخارطة الانتخابية سنة 1989 استخف بالقوة الجماهيرية للإسلاميين.
-   
أول انتخابات تعددية (محليات 1990.06.12) فاجأت النظام القائم.
-   
الأخطاء التي وقعت من الإدارة البيروقراطية من جهة ومن المنتخبين المتسرعين من جهة أخرى مهدت لما بعدها.
-   
الدور الأول للإنتخابات البرلمانية التعددية (1991.12.26) قضت على أحلام التعددية ونقلت الجزائر من هيمنة الحزب الوطني الواحد (جبهة التحرير) إلى مخاوف الحزب الإسلامي الواحد (الجبهة الإسلامية)..وهو التحول الطفراوي الذي حرك مخاوف "جماعات المصالح" في الداخل والخارج وتحوّل إلى "تسونامي" سياسي تناقضت بشأنه المواقف وانتهى به المطاف إلى أسوإ  الحلول بلجوء صنّاع القرار إلى سياسة إحداث الفراغات في جميع المؤسسات الدستورية من مؤسسة الرئاسة إلى البلديات (المجالس المنتخبة) .
-   
فرض إستقالة رئيس الجمهورية لإفراغ مؤسسة الرئاسة
-   
إفتعال إستقالة رئيس المجلس الشعبي الوطني لإفراغ المؤسسة التشريعية (البرلمان).
-   
إيقاف المسار الإنتخابي كمقدمة لوقف زحف الديمقراطية
-   
إعلان حالة الحصار وتعطيل العمل بالدستور والقوانين السارية المفعول.
-   
إنزلاق الوضع الأمني إلى حافة الحرب الأهلية باستخدام السلاح بدل الحوار والإحتكام إلى لغة  القوة وفرض سياسة "الكل الأمني".. وتساقط أرواح بنات الجزائر وأبنائها بالعشرات ثم بالمآت ثم بالآلاف (تجاوزت الحصيلة 100 ألف قتيل !؟ عدا المشردين والمخطوفين والمعطوبين..والخسائر المادية..وانهيار الاقتصاد الوطني بتعطيل آلة الإنتاج..).
وهكذا خسرت الجزائر ربع قرن من الاستقرار والتنمية والبناء الديمقراطي..الخ.
وبعد مرور 25 عاما على هذه الأحداث ما هي الحصيلة الملموسة؟
2-   
الخريف الديمقراطي : لا يمكن أن يكون الربيع مصبوغا بالدم، ولا يمكن أن تكون ثماره جثثا ومجازر وحالة رعب امتدت عشرين (20) عاما..فقد كان يمكن أن تصبح الجزائر رائدة في التأسيس لنموذج ديمقراطي  عربي لو أن القائمين على إدارة شؤون البلاد تعاملوا بشكل مختلف مع ما صاروا يسمونه "ربيع الجزائر"، وكان يمكن للحركة الإسلامية أن تخرج من "عزلتها" وتتحرر من ثقافة الإحتكار ومن عقلية الهيمنة وادعاء "الحق الإآـهي" لو لم يهتم قادتُها كثيرا – وبشكل أساس- بما سمّوه" مسمار جحا لازم يتنحى" فقد تم قلع المسمار يوم 11 جانفي 1992 الممثل بنظرهم في شخص رئيس الجمهورية، وحل محله خمسة (05) "مسامير" من الأوزان الثقيلة التي فرضت واقعا جديدا على الأرض خلال سنوات 92-1998..ولولا لطف الله جل جلاله ثم سياسة المصالحة الوطنية – بعد مرحلة الوئام المدني- وجهود كثير من العقلاء -وفي مقدمتهم حركة مجتمع السلم- لدخلت الجزائر في منطقة الزوابع وتم إلحاقها بأفغانستان أو العراق أو الصومال..الخ
فما هي المكاسب الأساسية؟ وما هي الخسائر الفادحة؟ وهل مازال
 
الوقت مناسبا للإستدراك – بعد مرور ربع قرن- وكيف يتم ذلك؟
الإجابة التفصيلية عن هذه الأسئلة تتطلب مجلدا ضخما، ولكن اللبيب بالإشارة يفهم، لذلك أكتفي – في هذه الجولة- بوضع رؤوس أقلام كبرى تصلح أن تكون مفاتيح للعصف الذهني في المحاور التالية :
أ‌-    المكاسب الأساسية، يمكن اختزالها في الآتي :
-   
إنهاء عهد الحزب الواحد صوريًّا بتعددية شكلية (نظرية)
-   
خروج التنظيمات السرية من السراديب إلى نور الشمس
-   
إدارة اللعبة السياسية فوق طاولة النظام (في غياب الضوابط والضمانات)
-   
إكتساب تجارب مرَّة ميدانية برغم ضيق الهوامش الديمقراطية والحريات الأساسية والنزاهة الانتخابية..الخ
-   
التعرف الميداني على الأوزان والأحجام السياسية نسبيا في كل الإستحقاقات المنقوصة (بسبب سياسة التزوير).
-   
سقوط اقنعة الإنتهازيين والأصوليين وأصحاب المصالح الشخصية وظهور كل فصيل بوجهه الحقيقي (فقد كشفت الشدائد عن معادن الرجال، وعن رذائل الأقوال والأفعال..وعرف كل تيار من معه ومن ضده..كما تضخم عدد المنتسبين للطّابور الخامس.. !؟).
ب‌-     الخسائر الفادحة، يمكن إجمالها في الآتي :
-   
ضياع ربع قرن في المراحل الإنتقالية وفي التجارب الفاشلة.
-   
تأخر التنمية بوقوع الوطن رهينة بين مخالب جماعات المصالح.
-   
تعطل الوظيفة الدعوية بسبب التهم الجائرة التي أُلصقت ظلما بالإسلام عامة والحركة الإسلامية خاصة.
-   
يأس الأغلبية الصامتة من التغيير السلمي عن طريق الصناديق وانصراف الرأي العام عن الشأن السياسي أمام اتساع رقعة العزوف الإنتخابي عند كل إستحقاق.
-   
تفشي ظاهرة الفساد بكل أشكاله وأنواعه وأحجامه ووجوهه..حتى كأننا صرنّا نعيش في "إمبراطورية الفساد" وصار الصالحون والمخلصون والنزهاء من غير المفسدين منبوذين في وطنهم وداخل مؤسساتهم ووظائفهم..بل صار الفساد مفخرة للبعض وامتيازا للبعض الآخر..وصدق الله العظيم القائل : "أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون".
-   
التلاعب بالعقول والإستخفاف بالرأي العام وانهيار منظومة القيم وجعل كل شيء مفصلا على المقاس وقابلا للبيع والمضاربة (التجارة، الصناعة، السياسة، الثقافة، التعليم، الشهادات، الانتخابات، الأحزاب، النقابات، المؤتمرات، الدستور، القوانين، قفة رمضان، الحكومة، البرلمان بغرفتيه، المشاريع، القروض، الإختلاسات..إلخ..إلخ..) وأكاد أقول : الأحوال الشخصية والتركات والمواريث و"الأمهات العازبات" !؟!
فهل بقي من أمل في الخروج؟؟
ج- الدروس الإستدراكية، يمكن اختصارها في ثلاثة (03) دروس أساسية هي:
-   
التأسيس لتوافق وطني : بأن تتفق الأحزاب الفاعلة والشخصيات المؤثرة على الأولويات الكبرى، وهي في نظرنا أربعة : الإسلام، الجزائر، الحريات العامة والخاصة (ومنها كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية) والدفاع عن القضايا العادلة وفي المقدمة القضية الفلسطينية.
-   
إعادة بعث المسار الديمقراطي : بالعودة الجادة إلى الحياة الطبيعية على جميع المستويات بقبول قواعد اللعبة الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة والثقة في جيل الإستقلال بالعمل على الإنتقال السلس من جيل سياسي حرر الوطن مشكورا وأسس للدولة (بعد أن حررها تاريخيا) إلى جيل سياسي جديد تقع على كاهله مسؤولية الوفاء للشهداء لاستكمال بناء الدولة النوفمبرية "في إطار المبادئ الإسلامية".
-   
إصلاح السياسة أولا : وذلك باستكمال مسار المصالحة الوطنية والخروج نهائيا من المراحل الإنتقالية والذهاب الشجاع إلى "ربيع جزائري" سلمي – بفتح نقاش وطني عام وجاد- تتعمق فيه الإصلاحات أنطلاقا من الإصلاح السياسي وتفتح فيه أبواب المنافسة النزيهة والشفافة..وتتكافأ الفرص بين أبناء الجزائر وتتحرر الكفاءات وتُعطى الكلمة الحرة للشعب وتُحترم خياراته في التنصيب والعزل والرقابة من رئيس البلدية إلى رئيس الجمهورية.
وبعد : هذه الخواطرفي شكلها الخام- أردت التذكير بها في الذكرى الخامسة والعشرين (25) لأحداث 05 أكتوبر 1988 وفاء لدماء الذين سقطوا خلال ربع قرن من النضال السياسي طويل النفس..دفعت فيه الجزائر "فاتورة"  ثقيلة..وصار من واجب الوقت أن يتحمل كل واحد منا كامل مسؤولياته تجاه الدين والوطن وكرامة الإنسان..حتى لا تذهب دماء شهداء الواجبيْن (02) سدى.
                       
والله غالب على أمره

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا تغادر دون أن تعطي رأيك

 

المتـابعـــون

فيديوهات مختارة